كلمـــة حــــق

إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت



هذه فقرة من كتاب للدكتور راغب السرجانى بعنوان أنت وفلسطين أردت ان أنقلها لما وجدت فيها من فائدة كبيرة


لماذا يخافون من حماس ؟


لا بد من وقفة نتأمل فيها سرِّ الهياج الإقليمي والدولي الذي أعقب وصول (حماس) للسلطة في فلسطين، عبر انتخابات شهد لها الجميع بالنزاهة.. فمن حق أي عقل أن يتساءل: لماذا يتكتَّل المجتمع الغربي (بجناحيه الأمريكي والأوروبي) لإجهاض تجربة حماس، مع أنها لا تخلو من عوائق النمو الطبيعية، والتي يأتي على رأسها الاحتلال الإسرائيلي بكل آثاره المعروفة.. إلى جانب أن فلسطين أصلاً (حتى دون احتلال) دولة صغيرة لا تتجاوز مساحتها 26 ألف كم مربع.. فما الأثر الذي سينعكس سلبًا على مصالح الغرب من جرَّاء وصول التيار الإسلامي (الذي تمثله حماس) إلى سلطة محفوفة بالمشكلات والمصاعب؟!!

لا يمكن – في هذا السياق – أن يُرَدَّ الأمر إلى قوة حماس عسكريًا؛ تلك القوة التي مهما بلغت فلن تتجاوز بكثير قوة فتح (التي كانت تمثل السلطة السابقة) فضلاً عن أن تُقارَن بالآلة العسكرية الإسرائيلية وما تتمتع به من إمكانيات نووية وغير نووية.

ولا يتبقَّى من أسباب الهياج العالمي إلا أن الفائز هذه المرة هي (حماس) التي ترفع شعار الإسلام كعلاج وحلٍّ لما على الساحة الفلسطينية من مشكلات سياسية أو اجتماعية أو اقتصادية أو غيرها... وهذا في حد ذاته غير مقبول عند أرباب السياسة الدولية المعاصرة للأسباب التالية:


أولاً: أسلمة القضية.. ونتائجها:


نجاح حماس يعني – ببساطة – "أسلمة القضية الفلسطينية"، وهذه الأسلمة فى عرف الساسة الدوليين خطيرة جدًا جدًا.. لأنها تغير موازين اللعبة تمامًا بصورة تعصف بتاريخ طويل من التخطيط الدائب والتهيئة الحثيثة لمسرح الأحداث ليكون صالحًا لنمو الكيان الصهيوني واستقراره.


1. أسلمة القضية.. بداية الحل!


أسلمة القضية الفلسطينية تعني بداية الطريق الصحيح نحو حل هذه القضية حلاً جذريًّا يُعيد الحق لأصحابه، ويقضي على الاحتلال الذي طال فوق ثمانية وخمسين عامًا.

والمتأمل لتاريخ فلسطين يُدرك دون عناء أنها ما عادت أبدًا للمسلمين إلا على يد جيش مؤمن صادق، يرفع راية الإسلام بحقٍّ، ويستكمل شروط النصر الإلهي بصدق.. وأعداؤنا يقرءون تاريخنا، ويعلمون (أكثر منا للأسف!) كيف يمكن أن ننتصر، ومن المؤكد أنهم يعرفون قول عمر بن الخطاب لجنوده: "..إنما يُنصر المسلمون بمعصية عدوهم لله، ولولا ذلك لم تكن لنا بهم قوة؛ لأن عددنا ليس كعددهم، ولا عدتنا كعدتهم.. فإن استوينا في المعصية، كان لهم الفضل علينا في القوة، وإلا نُنصرْ عليهم بفضلنا لم نغلبهم بقوتنا.." ومن الواضح أن هذه الأمة لا تُنصر إلا إذا أعادت حسن صلتها بربها، وأحكمت روابط الأخوَّة بين أبنائها، واجتهدت في استكمال قوَّتهم قدر الطاقة..

وبالتالي فإن اليهود ومَن وراءهم لا يشغلهم كثيرًا النظر إلى مفردات القوة العسكرية التي تمتلكها حماس.. وإنما ينظرون إلى إخلاصهم وصدقهم وحميَّتهم، وإلى حبِّهم للموت فى سبيل الله، وطلبهم للجنة، وخوفهم من النار، وتمسكهم في كل كبيرة وصغيرة بشرع الله عز وجل... وعندما يرى العدو ذلك يدرك إدراكا يقينيًّا أن المجال لو تُرك لهؤلاء فلن يحكموا فلسطين فقط.. بل سيحكمون العالم أجمع!! وقد تكرر هذا مرارًا فى تاريخ المسلمين.

وإذا ضاق أعداؤنا اليوم بصعود حكومة حماس فقد ضاقوا من قبل بمثل هذا المشهد في الجزائر عام 1992م عقب نجاح الإسلاميون بنسبة 90% ، وقامت الدنيا حينها، ولم تقعد حتى أجهضوا (بقيادة فرنسا بلد الحريات!!) قيام حكومة إسلامية فى الجزائر (مع أن الجزائر أيضًا ليست دولة شديدة التأثير على مسار الأحداث الدولية).. ومازال الشعب الجزائري يدفع الثمن الغالي لاختياره الديمقراطي! وما يزال المجتمع الدولي خائفًا من صعود من يرفعون راية الإسلام إلى الحكم في أي مكان لنفس الأسباب.


2. توسيع جبهة المقاومة:


من نتائج أسلمة القضية الفلسطينية أيضًا إدخال أطراف كثيرة لا يريد العدو لها أن تدخل في حسابات المعركة المصيرية بيننا وبينه..

ولمزيد من التوضيح لا بد أن نتذكر أن تعداد المسلمين في العالم 1300 مليون تقريبًا (مليار وربع المليار!)، بينما لا يتجاوز العرب بكثير حدود 300 مليون فقط!! وإحياء البعد العقائدي الإسلامي في قضية فلسطين يعني استنفار عواطف (فضلاً عن طاقات) الملايين من الشعوب والدول الإسلامية، والتي لم تكن لتدخل في المعادلة لو أن القضية بقيت محصورة داخل الإطار القومي العربي الضيق.

هذا التوسيع لجبهة المقاومة توسيع واقعي واجب؛ لأن الشأن الفلسطيني كما تبين لنا في الصفحات السابقة يدخل في عقيدة المسلمين.. أيًّا كانت انتماءاتهم اللغوية أو العرقية، ولنا أن نتخيل أن تدخل في حسابات العدو (وهو ينظر إلى القضية الفلسطينية) دولٌ مثل باكستان أو تركيا أو إيران أو إندونيسيا... أو غيرها من الدول الإسلامية ذات الثقل الاقتصادي أو العسكري أو البشري.. في ذلك الحين سيجد العدو نفسه في مواجهة طاقات وإمكانيات متنوعة، ومساحات جغرافية هائلة (من مثل ما يتمتع به العالم الإسلامي).

وقد شاهد أعداؤنا من أشهر قليلة ما يمكن أن يؤدي إليه المساس بالعواطف الدينية للشعوب الإسلامية (عربية كانت أو غير عربية) عندما أسيء لشخص الرسول العظيم r على صفحات جرائد الدنمارك وغيرها.. وهم يعلمون أن نصرة المسلمين وغضبهم لفلسطين لن يكون أقل، وخاصة إذا صحَّ فهم القضية وفقه أبعادها الشرعية.


3. جنود يرجون الله!


من النتائج الخطيرة (في تقديرات العدو) لأسلمة قضية فلسطين – وغيرها من قضايا الأمة المصيرية – أن أعين الجنود الذين سيحملون هذه القضية ستكون موجَّهة نحو الجنة (سلعة الله الغالية!!) لا نحو أي مغنم دنيوي رخيص، وهذا ما يتربَّى عليه (من اللحظة الأولى) كلُّ من جعل الله غايته، والآخرة وجهته.. إنه قد أبرم هذه الصفقة منذ أعلن أنه مؤمن: "إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَ‍قًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ".

وإذا اتَّخَذَت قضيةُ فلسطين البُعدَ العقائدي الإسلامي فسيكون جنودها ممن أبرموا هذه الصفقة مع رب العالمين.. وبالتالي فلن يكون بوسع الواحد منهم إبرام صفقات دنيوية حقيرة يتنازل فيها عن حق الله في أرض فلسطين مقابل حفنة دولارات!!

وهذه النوعية من الجنود تُعجِز العدو (وخاصة اليهود)؛ فلن يستطيع شراء ضمائرهم، أو تحويل نظرهم عن الآخرة.. إذ كيف يمكن لمن يرى الجنة ويشم ريحها أن يرجو أجرًا من أمريكا أو بريطانيا أو .....؟!!

وما نُكِبت قضية فلسطين إلا يوم نجح المال ومتاع الدنيا في شراء ذمم بعض أبناء القضية (ممن بدءوا حياتهم في خنادق المقاومة والجهاد!!).. فتغيرت النفوس، وانحرفت التوجُّهات، واستُخْدِم المجاهدون السابقون كأدوات لبيع القضية وخسرانها.

وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم حين حذَّر أمته من فتنة الدنيا في الحديث الصحيح الذي رواه الترمذي عَنْ عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ رضي الله عنه: "...فَوَاللَّهِ مَا الْفَقْرَ أَخْشَى عَلَيْكُمْ وَلَكِنِّي أَخْشَى أَنْ تُبْسَطَ الدُّنْيَا عَلَيْكُمْ كَمَا بُسِطَتْ عَلَى مَنْ قَبْلَكُمْ فَتَنَافَسُوهَا كَمَا تَنَافَسُوهَا فَتُهْلِكَكُمْ كَمَا أَهْلَكَتْهُمْ".


ثانيًا: خوفًا من تكرار التجربة..


إذا نجحت تجربة حماس في الحكم (برغم صعوبات الاحتلال القائمة، وبرغم ضعف الإمكانيات) فسيشجع هذا النجاح على إمكانية تكرار التجربة في بلدان إسلامية أخرى كثيرة.. ونحن نلمس جميعًا مدَّ الصحوة الإسلامية في كل بلاد العالم الإسلامي، التي ستكون فرص نجاح تجربة الحكم الإسلامي فيها أكبر إذا قورنت بما يواجه حماس من الصعوبات التي أشرنا إليها آنفًا.

ولا يخفى بالطبع ما يمثله صعود التيار الإسلامي إلى الحكم في مختلف بلدان العالم الإسلامي من خطورة بالغة تهدد مصالح الغرب في بلاد المسلمين.


ثالثًا: كشف أوراق الفاسدين!!


وإلى جانب كل ما سبق فإن نجاح حماس بمرجعيتها الإسلامية سيفتح ملفات سوداء للفساد الذي لطَّخ سيرة السلطة السابقة؛ لأن نظافة يد حماس، وتعففها عن المال العام سيفضحان قبح ممارسات أركان السلطة السابقة.

والحق أن ملف الفساد في السلطة السابقة لم يعد من قبيل الأسرار؛ ففضائحه يعرفها القاصي والداني، ويتداولها القضاء الفلسطيني.. كما أنه ملف قديم أصيل في سلوك تلك السلطة (إلا من رحم الله) منذ استلمت مقاليد الأمور في عام 1996م.. ويكفينا أن نعرف أنه في عام 1997م (أي بعد عام واحد فقط من استلام السلطة!!) أُعلِن عن اختفاء (326 مليون دولار!!).. ولا ندري ما معنى اختفاء مبلغ بهذا الحجم؟!!

وهذا الخبر – وغيره كثير يثير الفزع! – يؤكد خطورة فتنة المال التي كان رسولنا r يخشاها على أمَّته.. فقد روى الإمام أحمد عَنْ كَعْبِ بْنِ عِيَاضٍ رضي الله عنه قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ r يَقُولُ: "إِنَّ لِكُلِّ أُمَّةٍ فِتْنَةً، وَإِنَّ فِتْنَةَ أُمَّتِي الْمَالُ".

وإذا تنزَّلت بركات السماء والأرض (التي وعد الله بها أهل القرى لو آمنوا واتَّقوا) على الاقتصاد الفلسطيني عندما يُدار بأيدٍ تراقب الله وتتعفف عن الحرام.. إذا حدث ذلك فلن يتكشَّف الوجه القبيح لفساد السلطة السابقة وحده، بل ستلتفت شعوب الدول الإسلامية المجاورة إلى أثقال الفساد والنهب التي تكبِّل نموَّها، وسيعرف الجميع أن هذا العالم الإسلامي (وعلى عكس ما يُصَوِّر الكثير أو يتصوَّرون) غنيٌّ بموارده.. غزيرة بركاته.. لا تحتاج أرضه لعصًا سحرية لتنشقَّ عن خيراتها التي أودعها الله إيَّاها، إنما تحتاج لأيدٍ متوضئة معتصمة بهدي السماء.

من أجل ذلك لا يُطيق المفسدون علوَّ المصلحين وظهورهم؛ لأن مجرَّد هذا العُلوّ والظهور سيكشف الفساد الذي يُراد لأن يظلَّ مستترًا تحت الأرض.



بجد كتاب رائع ومفيد جدا لمن أراد أن يفهم الحقيقة مجردة

أدعوكم لقراءة الكتاب كاملاً على هذا الموقع



بحث عن: